السبت، 20 سبتمبر 2025

الهَاجٍس.


 


لم أكن أتوقع أن يوم زفافي سيتحول إلى ذكرى مؤلمة محفورة في ذاكرتي...

كانت شقتي الفاخرة في برج شاهق بحي الزمالك، تطل من علٍ على نهر النيل وأضواء القاهرة الليلية. اخترت هذا المكان خصيصاً لشرفته المميزة، الشرفة الوحيدة في المبنى التي تبرز على المدينة بأكملها، حيث يُمكن لأي شخص يمر في الشوارع أدناه أن يراها بوضوح. كان المكان كاملاً يعكس حياة الترف التي عشتها؛ كنت ممثلة مشهورة، وكان "نديم" رجلًا غنيًا ومعروفًا في مجتمع رجال الأعمال، فقد كان ناجحًا في عمر 30 عام وهذا ليس شائعًا، لم تكن ثروة تركها له والده بل اجتهادًا منه. الحب جمعنا في قصة تخلد في الأذهان، لكن ليس كل القصص التي تخلد تملك نهاية سعيدة.

لقد سافرت عائلتي إلى سويسرا وأنا في العاشرة من عمري، وعندما وصلت لعمر الثمانية عشر ذهبت إلى إنجلترا لدراستي الجامعية، بعد إنتهاء الدراسة قررت العودة إلى "مصر" حيث مسقط رأسي، عملت في مجال التمثيل السينمائي. مثلت ثلاثة أفلام في هوليوود، وثمانية أفلام في مصر. حصلت في مصر على أربعة جوائز، وأخذت في هوليوود جائزة أوسكار. قابلت "نديم" في انجلترا، كان يكبرني بعام.

في صباح يوم الزفاف، كان كل شيء يسير بسلاسة. الشقة كانت مليئة بالأصدقاء والعائلة، الجميع منشغل بالتحضيرات الأخيرة. الفستان الأبيض الفخم كان ينتظرني، شعري مصفف بعناية، والمكياج يعكس بريق النجومية الذي اعتدت عليه.

نظرت "فداءصديقتي إليّ بعدما نزل الجميع، ويعلو وجهها ملامح السعادة.

فداء: داليدا، ما رأيك، كيف ستكون ردة فعل نديم عند رؤيتك؟

داليدا: لا أعلم لكن، لا أعتقد أنه سيتفاجئ كثيرًا، فقد رآني بفستان الزفاف من قبل أثناء التصوير.

فداء (وهي تغمز لي): لا أظن هذا. الشعور يختلف لأنك ترتدينه الآن لأجله.

داليدا (أجبتها وأنا أضحك): سنرى هذا.

فداء: حسنًا، سأذهب لأرى التجهيزات.

داليدا: لقد ذهب الجميع ليرى، لا داعي لأن تذهبي.

فداء: يجب أن أُنزل حقيبتك وأضعها في السيارة قبل أن يتكدس الأخرين وأنتِ ذاهبة. لا نريد أن نعود مرة أخرى قبل التوجه للمطار.

داليدا: حسنًا.

دخلت إلى غرفتي لتأخذ حقائبي المجهزة، وحدثتني وهي بالداخل.

فداء: هل هذا كل شيء داليدا؟

داليدا (أجبتها بصوت مرتفع لتسمعني): نعم هذا كل شيء.

فداء: لكن يوجد بعض الملابس لم يتم وضعها بالحقائب.

داليدا: نعم تركت بعض الأشياء هنا ربما آتي في يوم واحتاج إليها.

فداء: حسنًا.

أخذت الحقائب ونزلت لتضعهم في سيارتها وتتابع التجهيزات بالأسفل. كنت بمفردي في الشقة أنتظر بفارغ الصبر أن يحين موعد بدء الزفاف. كان من المفترض أن يأتي ويأخذني بنفسه عندما يحين الموعد؛ لكن شيئاً ما حدث في تلك الدقائق القليلة من الانتظار.

كنت أقف في الشرفة، أطل على الحشد المتجمع في الأسفل، أرى الأضواء تضيء سماء القاهرة، وأشعر بهواء الليل البارد يلامس وجهي. سمعت صوته في شرفة الطابق السفلي، فقد كانت هذه الشقة لأحد أصدقائه "آدم". في الحقيقة كانت تخص "نديم" بذاته ولكن عندما حاول أكثر من مرة التسلل إلىّ عبر الشرفة، فقد وضع سلمًا في الشرفة السفلية ولأن شرفتي كانت بارزة ومائلة قليلًا استطاع وضعه. أخبرته أنني أنزعج من تلك التصرفات فاشترى "آدم" الشقة منه. لا أعرف كيف إتفقوا سويًا، وكيف ترك نديم شقته، لكن هذا ماحدث.

سمعت "نديميتحدث وكان حديثه غريبًا.

نديم (بصوت مرتعش ويظهر فيه بعض الغضب): كيف لها أن تفعل هذا؟! لا لا هي لن تتركني وتذهب إليه صحيح، لن اسمح لها بهذا.

"ما الذي يتحدث عنه؟"

داليدا (أملت رأسي إلى الأسفل أحدثه): "نديم" ماذا يحدث؟ على ماذا تتحدث!

لم يعطيني ردًا! ثم، ومن دون سابق إنذار، اندلعت النيران في فستاني. تملكني الذهول وأنا أشاهد اللهب يلتهم طرف فستاني، وأراه يناظرني بعيون متسعة مذهولًا وكأنه لم يصدق ما فعله، وينزل من هذا السُلم؛ الذي اتضح أنه لم يزيله بعد... شعرت بالحرارة تلمس جسدي، والتي لم تكن أقوى من تلك التي اندلعت في قلبي.
ركضت إلى الداخل، خلعت الفستان عني وارتديت أي شيء وجدته في غرفتي. ربما كان قدرًا أن أترك بعض الملابس هنا. حالما ارتديت بعض الملابس كانت النيرات اجتاحت الشقة بأكملها. هربت قبل أن تلتهمني.

لم يراني أحد عند هروبي؛ كانوا يظنون أنني احترقت، وأنني متُّ في شقتي التي تحولت إلى رماد. أما هو، فقد عاد إليه وعيه بعد فوات الأوان، ووقف هناك، يشاهد النيران تلتهم كل شيء. انفجر باكيًا بهستيرية، وجلس يصرخ وينادي الجميع، إلتفت الجميع عندما اجتاحت النيران الشقة بأكملها، حينها أدرك أنني قد اختفيت للأبد.

سمعت وأنا أركض للأسفل صوت "آدم"، وهو يصرخ في "نديم". وقفت قريبة من باب شقته، هل يمكن أنني أبحث عن مبرر له؟

آدم (بصراخ): لقد جُننت تمامًا أنتَ يجب أن تذهب إلى المستشفى "نديم".

سمعت "آدم" يصرخ باسمي بعدها، لكني اكملت ركضي للأسفل، عندما شاهدت "فداء" قرب سيارتها ركضت ناحيتها، أشرت إليها وأنا أصعد إلى سيارتها، لتلحق بي وهي لا تفهم من ماذا اركض؟!، ولماذا لا أرتدي الفستان.

فداء (وهي تغلق باب السيارة): مالذي حدث؟

داليدا (أجبتها وعيناي تسيلان بالبكاء وأصرخ): تحركي "فداء" بأسرع ما يمكنك، تحركِ أريد أن أهرب دون أن يراني أحد.

أدارت محرك السيارة، وتحركت بأقصى سرعة وبعد تحركنا بدقائق سألتني مجددًا.

فداء (ويعتلي ملامحها القلق): ما الذي حدث داليدا؟ إلى أين ستذهبين؟

داليدا (أجبتها وأنا أنظر أمامي في صمت): سنذهب إلى المستشفى.

فداء (عيناها امتلأت بالقلق): ماذا؟ لماذا؟!!

رفعت عن اكمامي وقدمي واريتها الحروق التي على جسدي، عندما رأتها دعست على الفرامل من صدمتها.

فداء (وهي تصرخ بخوف وصدمة): ما هذا؟ كيف حدث هذا؟!

داليدا: "نديم"...

فداء: ماذا؟

داليدا: "نديم" فعل هذا.

زادت ملامح الصدمة لديها.

داليدا: تحركي للمستشفى وسوف أخبرك في الطريق.

تحركت، وأخبرتها بكل ما حدث في الطريق. وصلنا للمستشفى، علمت أن الحروق كانت من الدرجة الثانية. كنت جالسه في شرود، بعدما تلقيت علاجًا. لم أكن أشعر بألم هذه الحروق، فقد كان الألم الداخلي أشد... جلست "فداء" بجانبي، واضعة يدها فوق يدي.

فداء: ماذا ستفعلين الآن؟

داليدا: متى ستكون طائرتك إلى النمسا؟

فداء (وهي تنظر إلى ساعة هاتفها): أنها في الرابعة فجرًا.

داليدا: هل استطيع حجز تذكرة على نفس الطائرة؟

فداء (نظرت إليّ نظرات صامتة ثم أجابت): هذا ماتريدينه؟

داليدا: نعم سآتي معك.

بالفعل ذهبنا إلى الفندق الذي نزلت فيه "فداء"، أخذت حقائبها، وتوجهنا إلى المطار. جلسنا في الاستراحة الخاصة بالمطار. استطعنا حجز تذكرة لي ولكن غيرنا تذاكرنا إلى الدرجة الاقتصادية، لم أكن أريد أن ألفت الإنتباه. صعدنا للطائرة وخلدت لنوم فور جلوسي، كانت احلامي تعيد لي هذا المشهد.

الشهور التي تلت الحادث كانت كالكابوس. العلاج من الحروق كان مؤلمًا، لكن الألم الأكبر كان في روحي. فقدت شغفي بكل شيء، هربت من كل ما يذكرني بتلك الليلة، الأفراح، الفساتين البيضاء، كل شيء. أخذ العلاج النفسي وقتاً طويلاً حتى عدت إلى العمل. ما زلت مشهورة، ولكن بريق الشهرة كان باهتاً، وكلما حاولوا إلباسي ثوباً أبيض لأداء دور أو جلسة تصوير، كنت اتحطم، وأطالب بتغييره.

قد مر عام ونصف بالفعل.

تواصل معي "آدم" عن طريق "فداء" بعدما تأكد أنني على قيد الحياة. في البداية كنت رافضة التواصل مع أي شخص يعرفه، لكنه كان مصرًا، اضطررت على التواصل معه كي لا يستمر في إزعاج "فداء". اتصلت به في أحد الأيام ولكن من رقم خاص. لا أريد أن يحصل "نديم" على رقمي بشكل أو بآخر.

آدم (أجاب بصوت هاديء): مرحبًا!

داليدا: مرحبًا...

آدم (أجاب وكأن صوته قد سرق): دا... داليدا!؟

لم أتوقع أن يعرف صوتي فقط من قول مرحبًا!

داليدا (أجبته وأنا متعجبة): نعم، داليدا!

آدم (وقد شعرت في صوته بكاءًا، لكن صوت بداخلي يخبرني أنه مزيف): أنتِ حقًا بخير!

داليدا: نعم يا آدم، أنا بخير.

صمت ولكني سمعت صوت شهقات، هل يبكي حقًا؟

داليدا: آدم هل أنتَ بخير؟

آدم (أجابني بعد أن أخذ نفسًا عميقًا): الأهم أنكِ بخير.

داليدا: فداء أخبرتني أنك تريدني.

آدم: كل ما أردته هو أن أطمئن عليكِ، وقد فعلت. إذا أردتِ أن تغلقي الهاتف يمكنك ذلك، أتفهم أنكِ لاربما لا تريدين التحدث كثيرًا خاصةً معي.

داليدا: حسنًا، شكرًا لتفهمك. صحيح لا تخبره.

آدم: أخبره بماذا؟

داليدا: أنني تحدثت إليك.

آدم: لا تقلقي، أنا لا أتواصل معه منذ ذلك الحين.

داليدا (سألته وأنا متعجبة): ولماذا؟

آدم: هل حقًا تسألين؟

داليدا: أسأل لأنكم أصدقاء مقربين.

آدم: ما فعله لا يغتفر داليدا، أخبرته أن يذهب ليتعالج لأن ما فعله ليس طبيعيًا، فذهب وتزوج؛ ليثبت أنه بصحة عقلية جيدة.

تعجبت عندما علمت أنه تزوج، لقد فعل ذلك بسرعة، كأنه يحاول دفن ذكرى ما فعله. شعرت بالخذلان، وربما شعر آدم أنه قال شيء ما كان يجب عليه قوله، عندما وجد ردة فعلي صمت.

آدم (بصوت هادئ، محاولًا مواساتي): أنسي أمره داليدا، في النهاية هو لم يستحقك من البداية.

داليدا: لا، لا تقلق، أنا على أفضل ما يرام. بالعكس ما أخبرتني به أراحني، هكذا استطيع العودة دون أن أحمل هم أن يطاردني.

آدم ( بصوت متردد): هل حقًا ستعودين؟

داليدا: نعم طالما تزوج، هكذا سيبتعد عن طريقي. أنا لن أعيش بعيدة عن بلدي طوال حياتي، هاربة من مختل عقليًا مثله.

آدم: متى ستعودين؟

داليدا: قريبًا... هل لازلت تسكن في تلك الشقة؟

آدم: نعم.

داليدا: إذا هل يمكنك مساعدتي في إعادة ترميم شقتي؟

آدم: أنتِ متأكدة؟

داليدا: نعم، أنا متأكدة... سأتصل بك غدًا لنتحدث بالتفاصيل، لأنني مضطرة على الإغلاق الآن.

آدم: حسنًا، وداعًا داليدا.

لا أعلم ولكنني قررت العودة إلى شقتي، تلك التي كنت أظن أنني لن أعود إليها أبداً.
اتفقت مع "آدم" على كل تفاصيل الترميم وبدأ بالفعل. إقترح "آدم" أن أنسى فكرة العودة أو أن أعود في مكان أخر بعيد لا يعرفه أحد. أردت فعل هذا فعلًا للحظة لكن في النهاية قررت أن أعود، فقد انتابني الفضول لماذا هو مُصِر ألا أعود.

انتهى "آدم" من ترميم الشقة بعد مرور شهران، وحان موعد عودتي. عندما وصلت إلى الشقة شعرت وكأن هناك أحمال تثاقلت على قلبي. كان "آدم" ينتظرني عند عودتي وساعدني في حمل الحقائب إلى الداخل.

آدم: هل أنتِ متأكدة من قرارك بالبقاء هنا؟

داليدا: لا تقلق، آدم، أنا واثقة تمامًا مما أفعله. يكفيني أنك بجانبي وتساعدني.

آدم: بالطبع سأساعدكِ، لكن بقاؤكِ في الخارج كان الخيار الأكثر أمانًا.

داليدا: وهل تظن أن بقائي في بلد آخر سيمنعه من الوصول إليّ؟ الهروب ليس حلًا، وأنت تعلم ذلك جيدًا.

آدم: لكن لا يمكننا أن نثق بتصرفات نديم بعد كل ما فعله. ماذا لو حاول إيذاءكِ مجددًا؟

داليدا: لا تقلق، لقد وضعت في اعتباري كل الاحتمالات، والأسوأ منها على وجه الخصوص. لكن، ما سر إصرارك على عدم عودتي؟ هل تريد التخلص مني؟

آدم (وقد بدا الضيق واضحًا على ملامحه): أعلم أن ما فعله نديم جعلكِ تفقدين الثقة بالجميع، لكن إن كنت مثل سوءه، لكنت الآن معه ليس هنا معكِ.

داليدا (أجبته ممازحة، وفي الواقع محاولة إيقاعه، فأنا بالفعل لم أعد أثق بأحد، خاصةً هو): ربما أنت تساعده بوجودك هنا.

نظر إليّ بخيبة ولم يُجب. حمل الحقائب وتوجّه إلى غرفتي ليضعها هناك. لكني لاحظت شيئًا جعلني أتجمّد في مكاني...
كان هناك أثر حرق على خلف عنقه! عندما انحنى لالتقاط الحقائب، اتسعت ياقته فرأيته. تبعته بخطوات متثاقلة، أردت التأكد.

داليدا (ناديته بتردد، فربما شكي به دون داعي، وربما هو في محله): آدم...

آدم (أجابني دون أن يلتفت): لا عليكِ، داليدا، أعلم أنه من الصعب أن تثقي بأحد بعدما...

تجمّد عن الحديث عندما وجدني أسحب ياقته للخلف. كان هناك بالفعل آثار حروق، وربما أشد سوءًا من حروقي...

داليدا: هـ... هذه الحروق، هل هي من يوم الحادث؟

سحب نفسه بعيدًا بعدما خرج من صدمته بسبب تصرفي، وعدّل ياقته.

آدم: لا، لقد انسكب عليّ ماءًا مغليًا وأنا أشرح لمساعدي الجديد في المطعم.

كان "آدم" طباخًا بارعًا من الطراز الرفيع، عمل في أشهر الفنادق، بل وحتى في فرنسا وإيطاليا والصين، واكتسب خبرات من مطابخ عالمية.

داليدا (أجبته وأنا أنظر إلى ذراعيه): هل يمكنك رفع أكمامك؟

آدم (بضحكة مشوشة): لماذا؟ الجو بارد الآن.

كيف لم أنتبه منذ وصولي؟! آدم ليس من عاداته أن يجعل أكمامه تصل إلى أساور يديه. كان دائمًا يرفع الأكمام قائلًا إنه يريد إبراز عضلات ذراعيه.

سحبت ذراعيه وقمت برفع أكمامه... لأجد آثارًا أخرى للحروق. الآن، تذكرت صراخ "آدم" على "نديم" يوم الحادث، وركضه نحو النيران للبحث عني.

آدم: هذه... هذه الحروق من...

داليدا: من الحادث؟... لماذا لم تخبرني؟

آدم: ليس شيئًا مهمًا لنتحدث بشأنه.

داليدا: إذن، حالتي هي الأخرى ليست شيئًا مهمًا.

آدم: لا، بالطبع حالتك مهمة.

داليدا: يمكنك الرحيل، وشكرًا على المساعدة.

آدم (نظر إليّ يائسًا): لن أضغط عليكِ، داليدا. سأتركك الآن لترتاحي، لكن إن احتجتِ أي مساعدة، لا تترددي في الاتصال بي.

داليدا: لا داعي. فـ هذا ليس بالشيء المهم، لذا... لا تكترث لأمري بعد الآن.

نظر إليّ ورحل. تركت حقائبي في الغرفة ولم أفرغها. ذهبت وجلست في الشرفة، ظللت أتأمل السماء واستنشق الهواء.
مَرّ بعض الوقت وأنا على هذه الوضعية، افكر فيما حدث معه. تلك الحروق هل قفز لأجلي؟ أم هل كان يساعد "نديم"؟ هل هي حروق حقيقية من الأساس؟ لماذا أشعر بشيء من الغرابة منذ قابلته اليوم؟كنت أحاول إبعاد فكرة أن "آدم" متآمر مع "نديم"، أو أن له يد بما فعله...

رن جرس الباب ليقطع لحظاتي الهادئة، ذهبت لأفتح وكما هو متوقع، "نديم"، كانت عيناه مليئتين بالدموع. حاول الاقتراب مني، لكنني دفعته بعيداً. لم أكن أستطيع التحدث، فـ كل كلمة كنت أريد قولها كانت تقتلني من الداخل.

هل من الممكن أن يكون "آدميساعده حقًا؟! كيف يأتي فجأة هكذا؟!"

حاولت إغلاق الباب لكنه دفعه واقتحم الشقة. وقف أمامي، واحتضنني بشدة، كأنه يحاول أن يمحو كل الأذى الذي تسبب فيه. جسدي انتفض عند لمسته، حاولت التحرر، لكنه لم يتركني. كان يبكي، ويتوسل إليّ أن نسامح بعضنا البعض.

داليدا (جاوبته وأنا أدفعه بكل قوتي): نسامح بعضنا البعض؟! هل تظن أن لديك الحق لقول هذا؟ ماذا فعلت لك كي تتجرأ وتقول أنك تريد مسامحتي وتجمعني في فعلتك؟ لا تتأمل حتى أن يمكنني مسامحتك.

نديم (وعيناه يتوسلان): الحياة لم تكن لها معنى بدونك، أنا، أنا لم أكن في وعيي عندما أشعلت تلك النار، كنت سأرمي بنفسي داخلها عندما اعتقدت أنكِ متَّ، لم أستطع مضي يومًا دون التفكير فيكِ.

داليدا (أجبت وعيناي يملأهم الجحود): لكنني لم ولن أستطع مسامحتك. كل شيء فيّ يرفض ذلك. لن أستطيع نسيان ما فعلتَهُ، سأظل أتذكر كيف أشعلت النار في حياتنا بيديك.

بكيت، وصرخت، واتهمته بكل ما حدث. وفي لحظة، فقد هو أعصابه. دفعني على الأريكة، وأصبح يخنقني بيديه، لم أستطع إلتقاط أنفاسي، أقسم أن تلك المرة كان سيقتلني حقًا.

تركني في النهاية، عندما وجد أن وجهي بدأ يميل للون الأزرق وعيناي تسيلان بالدموع. ظللت اسعل واحاول التقاط أنفاسي التي كانت تأتي بصعوبة، تراجع للخلف في ذهول هو يناظرني وامتلأت عيناه بالدموع على حالتي.

نديم (محاولًا التربيت على شعري): أنا... أنا آسف، أقسم أنني لم أقصد هذا.

دفعت يده وعدت للخلف، وجسدي يرتعش من الخوف، وشهقاتي تتعالى. نظرت إليه بنظرات بغض، لكن صدمني أنه متمسك بموقفه.

نديم: سنتزوج داليدا، سنتزوج وأعدك أني سوف أصلح كل شيء.

داليدا: لن يحدث، لا تحلم في هذا حتى، نديم.

نديم (نظر إلى الأرض ثم عاود النظر إلي بابتسامة): بل سيحدث عزيزتي، لأنه إذا لم يحدث سأقتلك بيداي.

داليدا: لا يهم، فهذه ليست المرة الأولى.

نديم (اقترب ووضع وجهه أمام وجهي بابتسامة مختلة): لكن هذه المرة ليست مثل ما سبقها، أعدك أنني سوف اتأكد من موتك هذه المرة.

أنهى كلامه وتوجه ناحية الباب، لكن أوقفه سؤالي.

داليدا: لما لا تكتفي بزوجتك وتتركني، فأنت متزوج الآن صحيح؟ أو حسبتني لا أعلم.

نديم (أجابني دون أن يلتفت): تلك الدمية لا تعنيني، لقد كان تخطي للأمر ليس إلا.

ذهب وتركني أجهش في البكاء، كل البكاء الذي كتمته الفترة الماضية خرج تلك الليلة، حتى غلبني النعاس. استيقظت بعد وقت قصير على صوت جرس الباب. ذهبت، وكان الواقف أمامي "آدم"، بوجه شديد القلق. أمسك بذراعي ووقف يتفحصني بعينيه بقلق.

آدم: هل آذاكِ؟ هل فعل شيئًا سيئًا لكِ؟

نظرت إليه في صمت، ثم إلى الأرض. ظهوره بعد رحيل " نديم " مباشرةً يزيد شكوكي تجاهه...

آدم: يمكنك البكاء، داليدا. لا تكبحي دموعك، دعيها تخرج وتزيح هذا الشعور السيئ. يجب أن تفرغي حزنك حتى لا يؤذيكِ من الداخل.

وكأن دموعي انتظرت كلماته لتسيل مجددًا. بكيت وبكيت حتى خمل جسدي من شدة البكاء. ساعدني على الدخول إلى غرفتي، ورحل بعدما تأكد أنني خلدت للنوم.

في الصباح، أرسل "نديم" فستان زفاف جديدًا، مع بطاقة مكتوبة بخط يده، تقول: "لقد رتبت كل شيء، زفافنا في نهاية الأسبوع. لا عليكِ سوى أن تستعدي، وسنبدأ من جديد."
عرفت أنه لن يتراجع، وأنني كنت أمام خيارين: إما الهرب، أو المواجهة. لذا قررت أن أواجه.

شغل تفكيري ليلة أمس، جاء "نديم" بعد رحيل "آدم" بقليل، وكأنه كان ينتظر مغادرته. نفس الشيء بالنسبة لـ"آدم"، جاء بعد رحيل "نديم" مباشرةً. وكأنهما يتناوبان أو متفقان على هذا. هل يحاولان إخافتي؟ أخذت هاتفي وأخبرت "فداء" بأن تكون حذرة من "آدم" لأنني لا أثق به.

مرت الأيام التالية ببطء وثقل على قلبي، وحاول كلٍ من "آدم" و"فداء" إقناعي بالهرب بعيدًا، لكنني كنت أعلم أنني يجب أن أواجه الحقيقة. لا أريد أن أستمر في الهروب.
في ليلة الزفاف، طلبت من "نديم" أن نصعد إلى الشرفة، لنسلّم على الحضور المنتظرين بالأسفل. كانت الأضواء تسطع علينا، والكاميرات الطائرة تلتقط كل لحظة وتعرضها للحاضرين، بل للمدينة بأكملها. نظرت في عينيه، وقلت له إن لدي مفاجأة.

أشرت إلى الشاشة العملاقة المعلقة على المبنى المقابل، التي تعرض ما يحدث، وبدأت أعرض مقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات المراقبة والتي كانت: لحظاته الغاضبة، تهديداته، محاولاته لقتلي، اعترافاته. عندما انتهى الفيديو، تحول وجهه إلى شبح من الرعب.

نديم (سألني وعيناه تعاتبني): لماذا فعلتي هذا بي، داليدا؟

داليدا: هل حقًا تسأل؟ من أين حصلت على هذا البرود أخبرني؟ أما زال لديك وجه لمعاتبتي؟

نديم: لقد أحببتك من كل قلبي، داليدا... لقد كنت على إستعداد أن أموت لأجلك.

قبل أن أجيبه وصل "آدم" و"فداء" برفقة الشرطة لإعتقاله. ابتعدت عنه بهدوء، وصعدت على سور الشرفة، دون أن ينتبه. نظرت إليه مرة أخيرة. بينما فزع، وخلفه آدم وفداء.

داليدا (قلت بصوت هادئ): "لقد قتلتني يومها، لكن لأنك تراني كجسد تعتقد أنني على قيد الحياة، لذلك الآن سأموت أمامك مرة أخرى، لتتأكد أنني قد متّ هذه المرة.

قفزت وصوت صرخته شق السماء، وقبل أن أستطيع الشعور بسقوطي، رأيته يحاول القفز خلفي لكن الشرطة أمسكت به واعتقلته. أنا واثقة أنه لن ينسى هذا المشهد ولن يروح من باله. ستكون هذه "ذكراه الأخيرة" وهو في السجن، والتي ستعاد في عقله مرارًا، ليشعر بالموت مائة مرة، بفقدانه من كان مهووسًأ بها أمام عيناه.

فكرت كثيرًا في طريقة للإنتقام منه عندما قررت العودة، وكان هذا أشد إنتقام؛ وهو أن أوهمه بموتي، سيكمل الباقي من عمره تعيسًا، وسأتخلص من مطاردته إلى الأبد.
كان رجال الإنقاذ في إنتظاري بالأسفل ليلتقطوني. ساعدني في هذا "آدم"، الذي طلب من أصدقائه بالشرطة مساعدتنا لفعل هذا، دون عواقب. حُكم على "نديم" بالسجن المؤبد وسينفذ الحكم بعد إنتهاء العلاج النفسي، فقد شُخِّص بعدها بعدة أمراض نفسية.

الآن قد مر ثلاثة سنوات، وأنا ممتنة حقًا لوجود "فداء" و"آدم" في حياتي، دعماني دائمًا وساعداني في تخطي الأمر أسرع. الآن نحن الثلاثة استقرينا في "فيينا"، إعتزلت الشهرة بأكملها وتشاركنا ثلاثتنا في سلسلة مطاعم بـ "فيينا"، والآن نعيش حياة الاستقرار.
المفاجأة، تزوجت أنا و"آدم" الإسبوع الماضي. لم أتوقع أنني سوف أتزوج بعد ما حدث معي، لكن سحره كان أقوى من أي شيء في الحقيقة. اكتشفت أنه يعشقني منذ زمن، كان يحميني في غالبية الوقت من تصرفات "نديم" المختلة.كان دائمًا يوقف "نديم" عند حده كلما تواجد معنا. أخذ الشقة منه ليمنعه من الاستمرار في مضايقتي، رغم أنه لم يحتاج إليها أبدًا. قفز في النيران دون تردد عندما شعر أنه سيفقدني. وفي ذلك اليوم الذي زارني فيه "نديم" بعد عودتي، كان قد أوصى أحد الجيران إذا رأى "نديم" يخبره، لذلك أسرع إليّ عندما اخبره أنه نزل من عندي. شعرت بجواره أن الحب مختلفًا عما شعرت مع "نديم" الحياة معه كانت أجمل.

آدم (ناداني بصوت هادئ): داليدا، عزيزتي، أين أنتِ؟

داليدا (أجبته بابتسامة): حضرت الإفطار بالشرفة، حبيبي.

أتى وهو يبعثر شعره. حتى هذا الشكل العشوائي يليق به. قبَّل جبيني وجلس يتناول طعامه.

آدم (سأل وهو يتأملني): هل أنتِ بخير؟ هل أنتِ سعيدة معي؟ لستِ نادمة على زواجنا صحيح؟

داليدا (ابتسمت لسؤاله، وأجبت وأنا أشعر براحة): أنا حقًا على أفضل ما يرام، عزيزي، لم أتوقع بعدما حدث منذ ذلك الحين، أنني سأشعر بالسعادة مجددًا، ظننت أن حياتي ستقف عند هذا المشهد، وسيكون ذكراي الأخيرة، لكن اتضح أن ترتيبات القدر كانت تخبئ لي ماهو أجمل. سأخبرك مجددًا أنا لست نادمة على وجودي معك، بل تغمرني سعادة، لم أفكر يومًا أنني سأصل لها.

ابتسم بسعادة، وقبَّل يدي، ثم أكمل إفطاره. بعدما انتهينا وقمت بغسل الأطباق، وجدته مرتديًا ملابسه، واقفة خلفي في المطبخ.

داليدا: ظننتك تشاهد فيلمًا.

آدم: كيف أشاهد فيلمًا بدونك؟ هيا أذهبي، وتجهزي كي نخرج، لا تنسي أننا في شهر عسلنا.

ابتسمت واسرعت لغرفتنا كي أتجهز. في حين أنني اتجهز تلقيت إتصالًا من "فداء".

داليدا: مرحبًا فداء! كيف حالك اليوم؟

فداء (بصوت متحمس قليلا ومتردد): داليدا لدي خبر لأخبرك به.

داليدا: هل هو جيد؟

فداء: على ما أظن...

داليدا: أخبريني إذن، كلي آذان صاغية.

فداء: "هتام"...

داليدا: فداء تعلمين أنني لا احب المماطلة؟

فداء (بصراخ وحماس): تقدم لخطبتي قبل قليل وقد واقفت.

داليدا (صدمتني ولكن كان خبرًا مُفرحًا): حقًا! هذا رائع، تهانينا عزيزتي، أتمنى لكم السعادة، أتعلمين أنتظري سنأتي أنا و"آدم"، أراكِ بعد قليل

بعدما انتهيت وخرجت، وجدته ينظر أليّ، واضعًا يده على فمه بملامح مندهشة.

داليدا (سألته وأنا مرتبكة): هل يوجد شيء خاطئ في ملابسي؟ لماذا تنظر لي هكذا؟!

آدم (أجابني وعيناه متسعتان): كيف لكِ أن تكوني بهذا القدر من الجمال؟ (وضع يده على قلبه) هل تسمعينه إنه صرخ بسببك الآن.

إحمر وجهي خجلًا، فابتسم وأمسك بيدي.

داليدا (تحدثت وأنا مرتبكة): حسنًا، أخبرني أين ستأخذني. لكن سنمر على " فداء" أولًار فلديها اخبار سعيدة.

آدم: بالطبع كما تشائين عزيزتي.

ثم ابتسم وأخبرني: "لنصنع ذكريات سعيدة".

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

هل تظنون أنها قد تسامحني؟
لا يزال مشهد ما حدث في ليلة زفاف "داليدا" و"نديم" يمر أمام عيني ككابوس. حينها تعمّدت أن أجعل "نديم" يسمعني وأنا أتحدث عن حبي لـ"داليدا"، عن الأوقات التي كنا نقضيها معًا نتحدث ونضحك، فقط لأنها كانت جارتي. قلت حينها إنها ربما تبادلني المشاعر، وربما تكتشف أنها لا تحب نديم وتتركه لتكون معي...

كانت الغيرة تعميني، لم أستطع تقبّل فكرة أنها ستكون له. تصرّفت بحماقة، تصرفًا كاد أن يؤدي بحياتها، وجعلها تخسر حبيبها الأول.
لا أعلم إن كان عليّ أن أخبرها بما حدث أم أحتفظ به لنفسي، لكن حتى لو أخبرتها، هل ستصدقني؟ لا أظن أن اندفاعي لإنقاذها دون وعي سيكفّر عن ذنبي، ولا حتى العذاب الذي عانى منه عقل "نديم" بعد اختفائها، حتى فقد صوابه بالكامل.

هي لن تعرف الحقيقة من أحد، فالوحيد الذي يعلم لن يجمعه بها لقاء مجددًا. ربما ستكرهني إن علمت، فهي كانت تحبه... وأنا كنت السبب في كل هذا.

ربما من الأفضل ألا أخبرها بشيء. لنعش ما تبقّى من حياتنا بسعادة، هذا كل ما أريده الآن... أن أراها سعيدة.


تحت المطر...

 




لما الدنيا تمطر! انتي بتهزري معايا يا جنى؟


جنى: صدقيني يا جود، استني بس لحد المطر.


قبلها بساعات


وبعدهالك يا جود، هتفضلي قاعدة جنب الشباك كده؟


سمعت صوت ماما - يُمنى - بيقاطع شرودي في السما والسحاب. التفتّ لها، لقيتها بصالي بأسى، صعبان عليها حالي اللي أنا فيه بقالي فترة.


جود: مش عارفة يا ماما، حاسة إني لازم أتراجع! محتاجة أهدى عشان ما أندمش على حاجة، ومافيش حاجة تهدّيني أكتر من شكل السما والسحاب.


يُمنى: إنتِ محتاجة تفكّري كويس قبل ما تقولي لازم أتراجع، لأنك ممكن تندمي لو سبتي اللي بتحبيه.


جود: ماما، فرحنا باقي عليه شهور قليلة، ولحد دلوقتي أنا مش عارفة إذا كان الشخص اللي معايا عايزني أو لا.


يُمنى: إيه اللي مخليكي تفكّري إنه ممكن يكون مش عايزك؟ مش يمكن كل ده أوهام في دماغك؟ أصل هو لو مش عايزك، هيخطبك ليه؟ محدش أجبره.


جود: ما هو ده اللي مخليني مترددة يا ماما، إن الاحتمالين واردين. هو محدش أجبره يطلب يتجوزني، وجَه من نفسه، وفي نفس الوقت أنا مش بحس إنه متحمس لده.


يُمنى: طب ما تتكلمي معاه بدل التعب ده كله، وتعرفي منه عشان ما تاخديش قرار غلط.


جود: فِكرك يا أمي ما عملتش كده؟ أكيد ما كنتش هحط نفسي في الحيرة دي من غير ما أحاول أفهم.


يُمنى: وهو قالك إيه؟


جود: أداني نظرة... ما فهمتهاش.


وقتها افتكرت اللي حصل من شهر، لما سألت محمد هو بيحبني وعاوزني ولا لا.


محمد (بص لي بصدمة بسبب سؤالي، وكأن السؤال تقيل أوي عليه): ليه بتسألي السؤال ده يا جود؟


جود: محمد، لو مش واخد بالك، خليني ألفت انتباهك إنك مع صحابك وأهلك وأهلي وكل الناس بتكون شخص بيضحك، والضحكة مش بتفارقك، وبتْهَزّر ومليان طاقة وحيوية، بس أول ما تيجي عندي، بتبقى شخص تاني... شخص ما بيتفاعلش، ساكت، وبيْرُدّ على القدّ بس. إنتَ مكنتش كده قبل ما نتخطب، وكأن وجودي في الجزء ده من حياتك بيسبب لك إزعاج أو عدم راحة.


محمد: أكيد مش كده بس... (سكت لحظة وكأنه اتراجع عن اللي هيقوله) جود، ما تفكريش كده، لأني لو مش عايزك، مكنتش هخطبك وأكمّل معاكي كل الفترة دي.


جود: يعني كل الموضوع إنك عايزني؟


بصّ لي من غير كلام... نظرته ما فهمتهاش.

اتّاري لغة العيون دي ما طلعتش سهلة... مهما فهمت فيها، مش هتعرف تقرأ كل اللي بتقوله.


ماما بصّت لي، ماكانتش لاقية رد تواسيني بيه... هي نفسها، بعد اللي عرفته، ما بقتش واثقة إنه عايزني. طبطبت على كتفي بابتسامة، وقالت: "لطف ربنا قريب، فوضي أمرك لله، وكله هيتحل بإذنه."


خرجت بعدها، وأنا كملت فرجتي من الشباك.


محمد كان بيحضّر ماجستير في علوم الهندسة الميكانيكية، وأنا كنت في تانية هندسة، وكنت ناوية على تخصص ميكانيكا. أول مرة اتقابلنا كانت في مكتبة الجامعة، لما هو انتبه إني بقرأ في كتب ميكانيكا، فساعدني في حاجات كتير مكنتش فاهماها. ومن بعدها، بقينا نتقابل في المكتبة كل بريك عشان نساعد بعض ونتبادل المعلومات.


مع الوقت، ما بقاش بالنسبالي مجرد الزميل الأكبر اللي بستفيد من خبرته في دراستي، وبساعده في الماجستير... لكني تجاهلت مشاعري دي، وأنكرتها قدام نفسي عشان ما تزيدش. عدّت السنين، وإحنا مجرد زملاء وأصدقاء، حتى إنه عرفني على أخته، عشان يفهّمني إني زيها بالنسباله.

كل حاجة كانت بتثبت لي إن لازم أنكر المشاعر دي قدام نفسي قبل أي حد.


في مرة، كان بيزورنا هو وجنى أخته، وأنا خدت جنى ودخلنا أوضتي، وسبته على أساس إنه هيقعد مع سادن، أخويا، كالعادة... أيوة، ما هما بقوا صحاب برضه.


ما كملناش نص ساعة أنا وجنى في الأوضة، وفجأة لقيت ماما داخلة علينا، وعلى وشها فرحة غريبة، كأننا في فرح.


يُمنى: جود، تعالي، زين - بابا - عايزك برا ضروري، وإنتِ كمان يا جنى، محمد عايزك برضه.


جود (رديت باستغراب): والله يا ماما، لولا الفرحة اللي على وشك، كنت قولت فيه مصيبة... طب هما عايزينا ليه؟


يُمنى: قومي بس، بلاش لكاعة، لما تخرجوا هتعرفوا كل حاجة.


جنى: حاضر يا طنط، جايين وراكي أهو، اتفضلي.


يُمنى: تسلمي يا جنى يا حبيبتي، يلا ما تتأخروش.


ماما سابتنا وخرجت، وأنا وجنى بصّينا لبعض لحظات مستغربين، وبعدها خرجنا وراها.


خرجنا، لقيناهم كلهم قاعدين سوا وبيضحكوا.


جنى: خير يا جماعة؟ ما تشاركونا الضحك.


جود: ماما قالت لي إن حضرتك عايزني.


زين: أيوة، عايزينكم، اقعدوا.


رُحت قعدت جنب ماما، وجنى راحت قعدت جنب محمد، وهمست له... غالبًا كانت بتحاول تفهم منه، بس هو ما قالش حاجة.


جنى: خير يا جماعة؟ أنتوا قاعدين تضحكوا من الصبح، وأول ما جينا سكتوا!


جود: خير يا بابا، هو فيه حاجة ولا إيه؟


زين: كل خير يا حبيبتي، الموضوع بس إن جالك عريس.


حسيت إن أعصابي سابت لما قال كده، خصوصًا قدام محمد.


جود (حاولت آخد الكلام بهزار، واتكلمت بضحك عشان ما يظهرش عليَّ التوتر): عريس إيه بس يا بابا؟ أنتَ زهقت مني ولا إيه؟


زين (ضحك وهو بيجاوبني): لا طبعًا ما زهقتش منك، بس ما باليد حيلة بقى... أهو شر لا بد منه.


جود: بابا، أنتَ بتتكلم بجد؟! عريس مين اللي جه على غفلة كده؟!


زين: محمد طلب إيدك مني دلوقتي.


اتجمدت مكاني أول ما سمعت اسم محمد، وحسيت إن ملامحي اتشنجت ووقفت.


جود: محمد مين؟!


زين: محمد سليم، يا جود.


بصّيت له بصدمة بسرعة، وجنى برضه بصّت له بنفس الصدمة. كان باصّص لي، باين على ملامحه التركيز، مستني ردّة فعلي. مقدرتش أمسك أعصابي، وقفت عشان أرجع أوضتي.


زين: وقفتي ليه يا جود؟


جود: استأذنك يا بابا، أدخل أوضتي... محتاجة دقيقة مع نفسي، حاسّة إني مش فاهمة حاجة.


دخلت أوضتي، وعيني مبرّقة، شاردة في الفراغ، بكلم نفسي وأنا بحاول أستوعب.


"محمد! عايز يتجوزني! من إمتى؟ هو مش دايمًا بيقول إني زي جنى؟ يعني إيه؟ هما بيعملوا مقلب فيا طيب؟"


جنى دخلت عليّا وأنا بكلم نفسي.


جنى: لا مش مقلب يا جود.


جود (التفت لها وكلمتها بنبرة عتاب): ليه يا جنى؟ ليه ما تعرفينيش حاجة زي دي وتقوليلي إن ده سبب مجيتكم النهاردة؟ ليه تحطوني في الموقف المحرج ده قدام أهلي وتفاجئوني بالشكل ده قدامهم وتخلوني مش عارفة أقول إيه؟ ده لو حد غريب كان هيتصل قبل ما ييجي ويعرفنا إنه جاي يتقدم.


جنى (قربت وحطت إيدها على كتفي تهديني لما حسّت نبرتي مهزوزة ومتوترة): جود اهدي، صدقيني أنا نفسي ما كنتش أعرف إن محمد جايبنا النهاردة وناوي على كده. أكيد مش هقعد معاكِ بكل برود هنا ونهزر، وموضوع زي ده داير برة من غير ما أعرفكِ. صدقيني، أنا اتفاجئت زيي زيك.


جود: وأخُوكي ازاي ميعرفش أي حد كده؟ ازاي يحطني في موقف زي ده؟ كان المفروض تسألي أول. افترضي لو أنا ما كنتش موافقة، كان هيبقى موقفنا إيه قدام أهلي؟ وكنت هتعامل معاكوا إزاي بعد كده؟ ازاي ياخد خطوة زي دي من غير ما يمهد حتى؟


جنى (جاوبت بابتسامة جانبية): افترض! ده معناه إنك موافقة بقى، صح؟


جود: أنا ما قولتش كده.


جنى: محمد قالي دلوقتي إنه كان بيتكلم مع بابا وماما بقاله فترة، ومع سادن أخوكي. وسادن هو اللي رتب معاه إنه يتكلم النهاردة مع باباكي ومامتك. تقريبًا هو ما عرفنيش عشان ما يجيش وأقولك، لأنه عايز يعملها لك مفاجأة.


جود: يا جنى، بس إزاي؟... أخوكي طول الوقت بيقولي إنه بيعتبرني زيك، يعني زي أخته.


جنى: تلاقيه بس عشان ما حبش يلمح لأي حاجة، عشان كان حابب يستقر في شغله الأول. ولو كان لمح قبل ما يستقر في شغله وييجي يتقدم، أكيد كنتوا هتربطوا قبل ما يبلغ أهلك. وأعتقد إنك عارفا كويس إنه مكانش هيحب يعمل كده من ورا أهلك.


سكت لأن معاها حق، فعلًا ده تفكير محمد، محمد شخص مسؤول وبيحب يعمل كل حاجة صح.


خرجت بعد دقايق أنا وجنى، وكلهم بصولي مستنيين: أرفض، أقبل، أطلب وقت أفكر، أو أقول أي حاجة.


جود ( اتكلمت بهدوء): بصراحة، أنا مصدومة ... ومش عارفة أقول إيه.

زين: مافيش داعي للصدمة يا بنتي محمد شاب محترم وإحنا نعرفه كويس، ولو مش مرتاحة عندك كل الحق تفكري.


جود (بصيت لمحمد واتكلمت): وانت ليه مفكرتش تكلمني الأول؟ يعني ليه مفاجأة؟


محمد (بهدوءه المعتاد): لأن لو كنت لمحتلك، كنت هتفكري كتير، ويمكن حتى كنت هتقلقي من كل حاجة حوالينا، وأنا مكنتش عايزك تدخلي في حسابات مالهاش لازمة. كنت عايز أخد الخطوة الصح، وبعدين حتى لو هتاخدي وقت تفكري، حتى لو هترفضي، على الأقل محدش فينا هيندم.


جود (بصيت لبابا): بابا، أنا آسفة...


لمحت محمد يتنهد تنهيدة يأس مع ابتسامة، وبعدها بابا رد عليّ.


زين: آسفة على إيه يا بنتي؟ مش موافقة؟


جود (مثّلت نظرة حزن وأنا بتكلم، وبعدين ضحكت): آسفة إني هتجوز وأسيبك.


زين: يعني موافقة؟


جود: أيوة، موافقة.


محمد عينه لمعت وقتها لمعة حسستني إني مش هندم على اختياري.


سادن: إيه ده؟ إيه ده؟ بالسرعة دي؟ أنا قلت هتقعدي سنة تفكري.


جود: أعمل إيه بقى يا سادن؟ مضطرة أهرب منك ومن رخامتك عليّ، ودي فرصة جتلي للهروب.


ضحكنا، واليوم عدى. عدى أسبوعين واتخطبنا، ودلوقتي قربنا نكمل سنة مخطوبين، ومحمد ولا مرة قالي إنه بيحبني أو حسسني بده. بالعكس، أنا حاسة إنه بيبعد أكتر وأكتر كل يوم من يوم ما اتخطبنا. مبقاش بينا الصداقة اللي قبل كده، ولا الهزار والضحك. بحس إن وجودي بيخليه متكتف، أو دبلتي خنقاه...


بصيت للسماء تاني، ولقيت جنى بتكلمني تطمن عليا. رديت عليها وحكيت لها كل اللي في بالي، وإني بفكر أفسخ خطوبتي على محمد.


جنى: لا يا جود، أنتِ فاهمة محمد غلط. هو بس مش بيعرف يعبر، مش أكتر.


جود: بقاله سنة مش عارف يعبر يا جنى؟ أنتِ ما شوفتيش معاملته معايا بقت عاملة إزاي من ساعة خطوبتنا؟


جنى: طب استني لحد المطر اللي جاي يا جود، لما الدنيا تمطر، كل حاجة هتتحل.


جود: لما الدنيا تمطر! أنتِ بتهزري معايا يا جنى؟


جنى: صدقيني يا جود، استني بس لحد المطر.


جود: إيه اللي هيحصل يعني؟ مش فاهمة.


جنى: محمد عمق مشاعره، ما بيعرفش يتكلم عنها غير في وقت المطر، لأنه وقتها بيكون مرتاح، في أجواء المطر ما بيكونش عنده أفكار سلبية تقيده. هو دايمًا عنده قلق من مشاعره، بيخاف يتكلم عنها ويندم، أو يعبر عنها غلط، أو مش بالشكل الكافي، أو يتفهم غلط. ما بيهداش من القلق ده ويرتاح منه غير لما الدنيا بتمطر.


وبعدين يا ستي، أنتِ مش هتستني كتير، إحنا في الشتا، والأرصاد بتقول إن الأيام الجاية هتبقى غرقانة مطر.


جود: جنى، حتى لو اللي بتقوليه صح، هو ده أول مطر هييجي علينا بعد ما اتخطبنا؟ اللي بتقوليه ده بيثبت وجهة نظري، لأني كده مش في مشاعره.


جنى: بطلي عند يا جود، واستني بس. أنا دخلت عليه من قريب لقيته نايم على مكتبه فوق مذكراته. الجزء اللي كان باين منها مكتوب فيه: "ضيّعت فرص كتير أفهمها، حاسس لو ضيّعت فرصة كمان هضيعها... فلو سمحتي، استني، أنا عندي أمل كبير.


قفلت معاها، وأنا دماغي مشغولة باللي كتبه في مذكراته. يمكن مش قصده عليا، يمكن قصده على الشغل... تفكيري ما هديش لحد ما غلبني النوم.


*تاني يوم*

كنت قاعدة بعد ما فطرنا، ماسكة تليفوني، وباتفرج على فيلمي المفضل. حاولت أبطل تفكير في الموضوع، وأستنى المطر.


جالي رسالة خلت عيوني وسعت...


"الدنيا بتمطر يا جود."


كانت جنى بعتتهالي. شوفت الرسالة من الإشعار، وما دخلتش عليها حتى. جريت على شباكي، رفعت راسي للسما، وغمضت عيني عشان أحس بالمطر على وشي.


قد إيه هو شعور مريح! حسيت بهدوء ما يتوصفش، وكل الأفكار اللي كانت مالية دماغي نسيتها.


فتحت عيني ونزلت دماغي عشان أتفاجأ بمحمد واقف قدام محل الورد اللي قدام بيتنا، رافع راسه للسما ومبتسم. واضح أوي إنه كان بيستمتع بنفس الشعور اللي أنا كنت لسه بتكلم عنه.


بصيت له، وحسيت بفراشة بتطير في قلبي... معقول جنى معاها حق؟ 

عدّت لحظات، بعدين فتح عينه وبص على شباكي. وأول ما شافني، ابتسامته زادت على وشه، واتحرك ناحيتي.


أنا من كتر ما ركزت على ملامحه المرتاحة وهو مستمتع بالمطر نازل عليه، ما انتبهتش لبوكيه الورد الجوري الأحمر اللي في إيده.


وقف تحت شباكي، وبصلي. إحنا ساكنين في أول بلكونة، كنت قادرة أشوف ملامحه بكل وضوح...

طب أنزل له؟ ولا هو هيطلع؟


رفع تليفونه وشاور لي بيه.


جريت ومسكت تليفوني، لقيته باعت لي: "وحشتيني..."

من كتر فرحتي وحماسي بدل ما أرد عليه برسالة، رديت من الشباك بصوت عالي، بدون وعي...


جود: ده بجد؟


محمد (ضحك وشاور لي): انزلي يا جود.


روحت أجيب شالي عشان أنزله، لقيت ماما جاية عليا.


يُمنى: بتكلمي مين وصوتك عالي في الشارع كدا؟


جود (جاوبتها بحماس): ده محمد يا ماما، شكل النهارده بنتك بالها هيرتاح.


يُمنى: محمد تحت؟


جود: أيوة، وعايزني أنزله، عن إذنك أروح أنزله.


يُمنى: طب انزلي، بس لو لقيتي إنكو هتطولوا، هاتيه واطلعوا، متقفوش في الشارع كتير.


جود (بوست خدها وأنا بتحرك): حاضر، ادعيلي انتي بس الدنيا تتحل.


نزلت بسرعة، لقيته واقف قدام سلم العمارة ماسك الورد ومستنيّني وهو بيضحك. خففت خطوتي شوية في آخر السلالم، وحاولت أوقف ضحكتي عشان ما يقولش إني خفيفة.


محمد: الله! مش كان فيه ضحكة من الوِدن للوِدن دلوقتي؟


جود (جاوبته بملامح متصنّعة البرود): الضحك ده للناس اللي بيحبوا بعض، مش لينا.


محمد: ليه مش لينا؟ هو إحنا مش من الناس دي؟


جود: والله بقى اسأل نفسك، أنا معرفش.


محمد (بَصّ لي وضحك): طب تعالي نعرف سوا.


بعدها مسك إيدي وشدّني برا العمارة عشان نبقى تحت المطر، سلّمني بوكيه الورد وبَصّ في عيني شوية.


محمد: كنتِ بتسأليني بقى بحبّك ولا لا، صح؟


جود: لا، خلاص مبقاش فارق لي. أنا أصلاً كنت بفكر أفسخ خطوبتنا.


ملامحه اتقلّبت 180 درجة، اتحوّلت لجدية تامّة لما سمع اللي قلته.


محمد: جود، أنا مبحبّش الهزار في الحاجات دي.


جود: ومين قال إني بهزر؟ أنا سبق وعرّفتك إني حاسّة إني في حياتك غصب، وسبق ولفتّ انتباهك لاختلاف تعاملك معايا ومع أي حد تاني... عملت إيه؟


بَصّ للأرض وسكت. حسيت بالانزعاج أكتر... ده حتى لما عرف إني هسيبه، برضو مش هيعمل حاجة.


جود: الظاهر مافيش فايدة يا محمد، ابقى اطلع حلّ الموضوع مع بابا.


لسه كنت هتحرك، راح ماسك إيدي ووقفني.


محمد: مبعرفش أتكلم معاكي لأني بحب أسمعك. كل ما أنا هسكت أكتر، هسمعك إنتِ أكتر. وجودك بيحسسني بطمأنينة بتخليني قادر أكون هادي.

الصخب اللي بكون فيه مع أي حد، حتى لو بهزار وضحك، بحس دايمًا إني مضطر عليه.

مضطر أضحك، أتكلم بصوت عالي، وأتحمس طول ما اللي قدامي كده، عشان ما أكونش شخص قليل الذوق في نظرهم أو أسبب لهم إحراج.

مضطر أكون على غير اللي برتاحله مع الكل... بس معاكي إنتِ لا.

معاكي ببقى ساكت ومرتاح، بسمعك وأنا مطمن.

يمكن غلطتي إني موضحتش ده من بدري، بس صدقيني... حاولت.

حاولت أعرفك قد إيه أنا بحبك، قد إيه محتاجلك، قد إيه بطمن بوجودك، قد إيه الصخب والقلق والإزعاج اللي في حياتي وجوا دماغي بيسكتوا لما بسمعك، قد إيه صوتك بيخلي قلبي ينبض.

مش بس صوتك...

صوتك، ضحكتك، نظرتك...

صدقيني، إنتِ بالنسبالي مش حد أقدر أتخلى عنه.

چود، أنا بحبك.


وهنا أنا فعلاً سمعت في وداني: "أخيرًا جالها، جال أحبك، جالها!" وفعلاً... قلبي نبضه اتوقف بعدها للحظة.


الفراشة اللي كانت بترفرف في قلبي من رسالة "وحشتيني"، دلوقتي بقيت حساها فراشات!

مش قادرة أوصف فرحتي بكلامه، معاه حق يرتاح بس في أجواء المطر... فعلاً صوتها قادر يسكت الدوشة اللي في دماغك.

بس صوتي؟ أنا مش لاقية كلام أقوله من فرحتي، حاسة لساني لزق في بوقي، مش راضي يتحرك.


محمد: جود!


جود (جاوبت وأنا ملامحي لسه واقفة من الصدمة): ها...؟


محمد: متقوليش إنك مكنتيش سمعاني.


جود: لا، كنت سمعاك بس... بس مش لاقية رد. أنا بحبك!


محمد (ضحك على طريقتي وأنا بقولها بملامح غريبة): بتحبيني؟ يعني مش هتسيبيني؟


جود: لا، ده كان زعل... مش قراري.


محمد: هممم... يعني مش هتسيبيني؟


جود: لا.


محمد: حتى لو عرفتي إني...


جود (حسيت بتوتر من كلامه): بلاش الجملة دي، بييجي وراها قلق... إنك إيه؟


محمد: إني اتكلمت مع باباكي وخلّينا الفرح بعد شهر واحد مش تلاتة؟

جود: أكيد مش هسيبك عشان كده! دي حاجة تفرحني، لو قلتلي نخليه النهاردة هفرح!


محمد: إيه ده بجد؟ طب تعالي نطلع نتفق معاهم.


حاول يطلع ويسحبني بإيده، بس وقّفته وأنا بضحك.


جود: محمد، بطل هزار بقى!


محمد: الله! هو نهزر مش عاجب، منْهزرش مش عاجب... حبيبتي مش عاجبها حاجة بقى!


وشي احمر لما قال "حبيبتي"، وحاولت ألف وشي بعيد، بس هو كان بيحرك وشه معايا ويبصلي.


محمد: أخيرًا شُفت خدودك حمرا.


جود: وانت كنت هتشوفها فين؟ لما حد غريب يحب فيا؟


محمد (رد بسرعة): هو فيه غيري بيحب فيكي؟


جود: على أساس إن إنت نفسك كنت بتحب فيا! يلا يا محمد، امشي.


محمد: طب... مش هتشربيني قهوة عندكم؟


جود (رديت وأنا بزُقه عشان يمشي): لأ، مش النهاردة. روح غيّر هدومك عشان ما تاخدش برد... الفرح بعد شهر!


محمد: حاضر.


إداني ابتسامة... رشقت في قلبي سهم كيوبيد، ومشي.

حسيت إني لسه بعرفه النهاردة، كأنها أول مرة.

النهاردة... تحت المطر، بدأ حبي من جديد.

على قد ما بحب المطر... حبيته أكتر.

فضلت باصة عليه وهو ماشي، لحد ما اختفى من قدامي.


قلت في عقلي:

"تحت المطر... بحبك قد المطر."



الهَاجٍس.

  لم   أكن   أتوقع   أن   يوم   زفافي   سيتحول   إلى   ذكرى   مؤلمة   محفورة   في   ذاكرتي ... كانت شقتي الفاخرة في برج شاهق بحي الزمالك، تط...