السبت، 20 سبتمبر 2025

تحت المطر...

 




لما الدنيا تمطر! انتي بتهزري معايا يا جنى؟


جنى: صدقيني يا جود، استني بس لحد المطر.


قبلها بساعات


وبعدهالك يا جود، هتفضلي قاعدة جنب الشباك كده؟


سمعت صوت ماما - يُمنى - بيقاطع شرودي في السما والسحاب. التفتّ لها، لقيتها بصالي بأسى، صعبان عليها حالي اللي أنا فيه بقالي فترة.


جود: مش عارفة يا ماما، حاسة إني لازم أتراجع! محتاجة أهدى عشان ما أندمش على حاجة، ومافيش حاجة تهدّيني أكتر من شكل السما والسحاب.


يُمنى: إنتِ محتاجة تفكّري كويس قبل ما تقولي لازم أتراجع، لأنك ممكن تندمي لو سبتي اللي بتحبيه.


جود: ماما، فرحنا باقي عليه شهور قليلة، ولحد دلوقتي أنا مش عارفة إذا كان الشخص اللي معايا عايزني أو لا.


يُمنى: إيه اللي مخليكي تفكّري إنه ممكن يكون مش عايزك؟ مش يمكن كل ده أوهام في دماغك؟ أصل هو لو مش عايزك، هيخطبك ليه؟ محدش أجبره.


جود: ما هو ده اللي مخليني مترددة يا ماما، إن الاحتمالين واردين. هو محدش أجبره يطلب يتجوزني، وجَه من نفسه، وفي نفس الوقت أنا مش بحس إنه متحمس لده.


يُمنى: طب ما تتكلمي معاه بدل التعب ده كله، وتعرفي منه عشان ما تاخديش قرار غلط.


جود: فِكرك يا أمي ما عملتش كده؟ أكيد ما كنتش هحط نفسي في الحيرة دي من غير ما أحاول أفهم.


يُمنى: وهو قالك إيه؟


جود: أداني نظرة... ما فهمتهاش.


وقتها افتكرت اللي حصل من شهر، لما سألت محمد هو بيحبني وعاوزني ولا لا.


محمد (بص لي بصدمة بسبب سؤالي، وكأن السؤال تقيل أوي عليه): ليه بتسألي السؤال ده يا جود؟


جود: محمد، لو مش واخد بالك، خليني ألفت انتباهك إنك مع صحابك وأهلك وأهلي وكل الناس بتكون شخص بيضحك، والضحكة مش بتفارقك، وبتْهَزّر ومليان طاقة وحيوية، بس أول ما تيجي عندي، بتبقى شخص تاني... شخص ما بيتفاعلش، ساكت، وبيْرُدّ على القدّ بس. إنتَ مكنتش كده قبل ما نتخطب، وكأن وجودي في الجزء ده من حياتك بيسبب لك إزعاج أو عدم راحة.


محمد: أكيد مش كده بس... (سكت لحظة وكأنه اتراجع عن اللي هيقوله) جود، ما تفكريش كده، لأني لو مش عايزك، مكنتش هخطبك وأكمّل معاكي كل الفترة دي.


جود: يعني كل الموضوع إنك عايزني؟


بصّ لي من غير كلام... نظرته ما فهمتهاش.

اتّاري لغة العيون دي ما طلعتش سهلة... مهما فهمت فيها، مش هتعرف تقرأ كل اللي بتقوله.


ماما بصّت لي، ماكانتش لاقية رد تواسيني بيه... هي نفسها، بعد اللي عرفته، ما بقتش واثقة إنه عايزني. طبطبت على كتفي بابتسامة، وقالت: "لطف ربنا قريب، فوضي أمرك لله، وكله هيتحل بإذنه."


خرجت بعدها، وأنا كملت فرجتي من الشباك.


محمد كان بيحضّر ماجستير في علوم الهندسة الميكانيكية، وأنا كنت في تانية هندسة، وكنت ناوية على تخصص ميكانيكا. أول مرة اتقابلنا كانت في مكتبة الجامعة، لما هو انتبه إني بقرأ في كتب ميكانيكا، فساعدني في حاجات كتير مكنتش فاهماها. ومن بعدها، بقينا نتقابل في المكتبة كل بريك عشان نساعد بعض ونتبادل المعلومات.


مع الوقت، ما بقاش بالنسبالي مجرد الزميل الأكبر اللي بستفيد من خبرته في دراستي، وبساعده في الماجستير... لكني تجاهلت مشاعري دي، وأنكرتها قدام نفسي عشان ما تزيدش. عدّت السنين، وإحنا مجرد زملاء وأصدقاء، حتى إنه عرفني على أخته، عشان يفهّمني إني زيها بالنسباله.

كل حاجة كانت بتثبت لي إن لازم أنكر المشاعر دي قدام نفسي قبل أي حد.


في مرة، كان بيزورنا هو وجنى أخته، وأنا خدت جنى ودخلنا أوضتي، وسبته على أساس إنه هيقعد مع سادن، أخويا، كالعادة... أيوة، ما هما بقوا صحاب برضه.


ما كملناش نص ساعة أنا وجنى في الأوضة، وفجأة لقيت ماما داخلة علينا، وعلى وشها فرحة غريبة، كأننا في فرح.


يُمنى: جود، تعالي، زين - بابا - عايزك برا ضروري، وإنتِ كمان يا جنى، محمد عايزك برضه.


جود (رديت باستغراب): والله يا ماما، لولا الفرحة اللي على وشك، كنت قولت فيه مصيبة... طب هما عايزينا ليه؟


يُمنى: قومي بس، بلاش لكاعة، لما تخرجوا هتعرفوا كل حاجة.


جنى: حاضر يا طنط، جايين وراكي أهو، اتفضلي.


يُمنى: تسلمي يا جنى يا حبيبتي، يلا ما تتأخروش.


ماما سابتنا وخرجت، وأنا وجنى بصّينا لبعض لحظات مستغربين، وبعدها خرجنا وراها.


خرجنا، لقيناهم كلهم قاعدين سوا وبيضحكوا.


جنى: خير يا جماعة؟ ما تشاركونا الضحك.


جود: ماما قالت لي إن حضرتك عايزني.


زين: أيوة، عايزينكم، اقعدوا.


رُحت قعدت جنب ماما، وجنى راحت قعدت جنب محمد، وهمست له... غالبًا كانت بتحاول تفهم منه، بس هو ما قالش حاجة.


جنى: خير يا جماعة؟ أنتوا قاعدين تضحكوا من الصبح، وأول ما جينا سكتوا!


جود: خير يا بابا، هو فيه حاجة ولا إيه؟


زين: كل خير يا حبيبتي، الموضوع بس إن جالك عريس.


حسيت إن أعصابي سابت لما قال كده، خصوصًا قدام محمد.


جود (حاولت آخد الكلام بهزار، واتكلمت بضحك عشان ما يظهرش عليَّ التوتر): عريس إيه بس يا بابا؟ أنتَ زهقت مني ولا إيه؟


زين (ضحك وهو بيجاوبني): لا طبعًا ما زهقتش منك، بس ما باليد حيلة بقى... أهو شر لا بد منه.


جود: بابا، أنتَ بتتكلم بجد؟! عريس مين اللي جه على غفلة كده؟!


زين: محمد طلب إيدك مني دلوقتي.


اتجمدت مكاني أول ما سمعت اسم محمد، وحسيت إن ملامحي اتشنجت ووقفت.


جود: محمد مين؟!


زين: محمد سليم، يا جود.


بصّيت له بصدمة بسرعة، وجنى برضه بصّت له بنفس الصدمة. كان باصّص لي، باين على ملامحه التركيز، مستني ردّة فعلي. مقدرتش أمسك أعصابي، وقفت عشان أرجع أوضتي.


زين: وقفتي ليه يا جود؟


جود: استأذنك يا بابا، أدخل أوضتي... محتاجة دقيقة مع نفسي، حاسّة إني مش فاهمة حاجة.


دخلت أوضتي، وعيني مبرّقة، شاردة في الفراغ، بكلم نفسي وأنا بحاول أستوعب.


"محمد! عايز يتجوزني! من إمتى؟ هو مش دايمًا بيقول إني زي جنى؟ يعني إيه؟ هما بيعملوا مقلب فيا طيب؟"


جنى دخلت عليّا وأنا بكلم نفسي.


جنى: لا مش مقلب يا جود.


جود (التفت لها وكلمتها بنبرة عتاب): ليه يا جنى؟ ليه ما تعرفينيش حاجة زي دي وتقوليلي إن ده سبب مجيتكم النهاردة؟ ليه تحطوني في الموقف المحرج ده قدام أهلي وتفاجئوني بالشكل ده قدامهم وتخلوني مش عارفة أقول إيه؟ ده لو حد غريب كان هيتصل قبل ما ييجي ويعرفنا إنه جاي يتقدم.


جنى (قربت وحطت إيدها على كتفي تهديني لما حسّت نبرتي مهزوزة ومتوترة): جود اهدي، صدقيني أنا نفسي ما كنتش أعرف إن محمد جايبنا النهاردة وناوي على كده. أكيد مش هقعد معاكِ بكل برود هنا ونهزر، وموضوع زي ده داير برة من غير ما أعرفكِ. صدقيني، أنا اتفاجئت زيي زيك.


جود: وأخُوكي ازاي ميعرفش أي حد كده؟ ازاي يحطني في موقف زي ده؟ كان المفروض تسألي أول. افترضي لو أنا ما كنتش موافقة، كان هيبقى موقفنا إيه قدام أهلي؟ وكنت هتعامل معاكوا إزاي بعد كده؟ ازاي ياخد خطوة زي دي من غير ما يمهد حتى؟


جنى (جاوبت بابتسامة جانبية): افترض! ده معناه إنك موافقة بقى، صح؟


جود: أنا ما قولتش كده.


جنى: محمد قالي دلوقتي إنه كان بيتكلم مع بابا وماما بقاله فترة، ومع سادن أخوكي. وسادن هو اللي رتب معاه إنه يتكلم النهاردة مع باباكي ومامتك. تقريبًا هو ما عرفنيش عشان ما يجيش وأقولك، لأنه عايز يعملها لك مفاجأة.


جود: يا جنى، بس إزاي؟... أخوكي طول الوقت بيقولي إنه بيعتبرني زيك، يعني زي أخته.


جنى: تلاقيه بس عشان ما حبش يلمح لأي حاجة، عشان كان حابب يستقر في شغله الأول. ولو كان لمح قبل ما يستقر في شغله وييجي يتقدم، أكيد كنتوا هتربطوا قبل ما يبلغ أهلك. وأعتقد إنك عارفا كويس إنه مكانش هيحب يعمل كده من ورا أهلك.


سكت لأن معاها حق، فعلًا ده تفكير محمد، محمد شخص مسؤول وبيحب يعمل كل حاجة صح.


خرجت بعد دقايق أنا وجنى، وكلهم بصولي مستنيين: أرفض، أقبل، أطلب وقت أفكر، أو أقول أي حاجة.


جود ( اتكلمت بهدوء): بصراحة، أنا مصدومة ... ومش عارفة أقول إيه.

زين: مافيش داعي للصدمة يا بنتي محمد شاب محترم وإحنا نعرفه كويس، ولو مش مرتاحة عندك كل الحق تفكري.


جود (بصيت لمحمد واتكلمت): وانت ليه مفكرتش تكلمني الأول؟ يعني ليه مفاجأة؟


محمد (بهدوءه المعتاد): لأن لو كنت لمحتلك، كنت هتفكري كتير، ويمكن حتى كنت هتقلقي من كل حاجة حوالينا، وأنا مكنتش عايزك تدخلي في حسابات مالهاش لازمة. كنت عايز أخد الخطوة الصح، وبعدين حتى لو هتاخدي وقت تفكري، حتى لو هترفضي، على الأقل محدش فينا هيندم.


جود (بصيت لبابا): بابا، أنا آسفة...


لمحت محمد يتنهد تنهيدة يأس مع ابتسامة، وبعدها بابا رد عليّ.


زين: آسفة على إيه يا بنتي؟ مش موافقة؟


جود (مثّلت نظرة حزن وأنا بتكلم، وبعدين ضحكت): آسفة إني هتجوز وأسيبك.


زين: يعني موافقة؟


جود: أيوة، موافقة.


محمد عينه لمعت وقتها لمعة حسستني إني مش هندم على اختياري.


سادن: إيه ده؟ إيه ده؟ بالسرعة دي؟ أنا قلت هتقعدي سنة تفكري.


جود: أعمل إيه بقى يا سادن؟ مضطرة أهرب منك ومن رخامتك عليّ، ودي فرصة جتلي للهروب.


ضحكنا، واليوم عدى. عدى أسبوعين واتخطبنا، ودلوقتي قربنا نكمل سنة مخطوبين، ومحمد ولا مرة قالي إنه بيحبني أو حسسني بده. بالعكس، أنا حاسة إنه بيبعد أكتر وأكتر كل يوم من يوم ما اتخطبنا. مبقاش بينا الصداقة اللي قبل كده، ولا الهزار والضحك. بحس إن وجودي بيخليه متكتف، أو دبلتي خنقاه...


بصيت للسماء تاني، ولقيت جنى بتكلمني تطمن عليا. رديت عليها وحكيت لها كل اللي في بالي، وإني بفكر أفسخ خطوبتي على محمد.


جنى: لا يا جود، أنتِ فاهمة محمد غلط. هو بس مش بيعرف يعبر، مش أكتر.


جود: بقاله سنة مش عارف يعبر يا جنى؟ أنتِ ما شوفتيش معاملته معايا بقت عاملة إزاي من ساعة خطوبتنا؟


جنى: طب استني لحد المطر اللي جاي يا جود، لما الدنيا تمطر، كل حاجة هتتحل.


جود: لما الدنيا تمطر! أنتِ بتهزري معايا يا جنى؟


جنى: صدقيني يا جود، استني بس لحد المطر.


جود: إيه اللي هيحصل يعني؟ مش فاهمة.


جنى: محمد عمق مشاعره، ما بيعرفش يتكلم عنها غير في وقت المطر، لأنه وقتها بيكون مرتاح، في أجواء المطر ما بيكونش عنده أفكار سلبية تقيده. هو دايمًا عنده قلق من مشاعره، بيخاف يتكلم عنها ويندم، أو يعبر عنها غلط، أو مش بالشكل الكافي، أو يتفهم غلط. ما بيهداش من القلق ده ويرتاح منه غير لما الدنيا بتمطر.


وبعدين يا ستي، أنتِ مش هتستني كتير، إحنا في الشتا، والأرصاد بتقول إن الأيام الجاية هتبقى غرقانة مطر.


جود: جنى، حتى لو اللي بتقوليه صح، هو ده أول مطر هييجي علينا بعد ما اتخطبنا؟ اللي بتقوليه ده بيثبت وجهة نظري، لأني كده مش في مشاعره.


جنى: بطلي عند يا جود، واستني بس. أنا دخلت عليه من قريب لقيته نايم على مكتبه فوق مذكراته. الجزء اللي كان باين منها مكتوب فيه: "ضيّعت فرص كتير أفهمها، حاسس لو ضيّعت فرصة كمان هضيعها... فلو سمحتي، استني، أنا عندي أمل كبير.


قفلت معاها، وأنا دماغي مشغولة باللي كتبه في مذكراته. يمكن مش قصده عليا، يمكن قصده على الشغل... تفكيري ما هديش لحد ما غلبني النوم.


*تاني يوم*

كنت قاعدة بعد ما فطرنا، ماسكة تليفوني، وباتفرج على فيلمي المفضل. حاولت أبطل تفكير في الموضوع، وأستنى المطر.


جالي رسالة خلت عيوني وسعت...


"الدنيا بتمطر يا جود."


كانت جنى بعتتهالي. شوفت الرسالة من الإشعار، وما دخلتش عليها حتى. جريت على شباكي، رفعت راسي للسما، وغمضت عيني عشان أحس بالمطر على وشي.


قد إيه هو شعور مريح! حسيت بهدوء ما يتوصفش، وكل الأفكار اللي كانت مالية دماغي نسيتها.


فتحت عيني ونزلت دماغي عشان أتفاجأ بمحمد واقف قدام محل الورد اللي قدام بيتنا، رافع راسه للسما ومبتسم. واضح أوي إنه كان بيستمتع بنفس الشعور اللي أنا كنت لسه بتكلم عنه.


بصيت له، وحسيت بفراشة بتطير في قلبي... معقول جنى معاها حق؟ 

عدّت لحظات، بعدين فتح عينه وبص على شباكي. وأول ما شافني، ابتسامته زادت على وشه، واتحرك ناحيتي.


أنا من كتر ما ركزت على ملامحه المرتاحة وهو مستمتع بالمطر نازل عليه، ما انتبهتش لبوكيه الورد الجوري الأحمر اللي في إيده.


وقف تحت شباكي، وبصلي. إحنا ساكنين في أول بلكونة، كنت قادرة أشوف ملامحه بكل وضوح...

طب أنزل له؟ ولا هو هيطلع؟


رفع تليفونه وشاور لي بيه.


جريت ومسكت تليفوني، لقيته باعت لي: "وحشتيني..."

من كتر فرحتي وحماسي بدل ما أرد عليه برسالة، رديت من الشباك بصوت عالي، بدون وعي...


جود: ده بجد؟


محمد (ضحك وشاور لي): انزلي يا جود.


روحت أجيب شالي عشان أنزله، لقيت ماما جاية عليا.


يُمنى: بتكلمي مين وصوتك عالي في الشارع كدا؟


جود (جاوبتها بحماس): ده محمد يا ماما، شكل النهارده بنتك بالها هيرتاح.


يُمنى: محمد تحت؟


جود: أيوة، وعايزني أنزله، عن إذنك أروح أنزله.


يُمنى: طب انزلي، بس لو لقيتي إنكو هتطولوا، هاتيه واطلعوا، متقفوش في الشارع كتير.


جود (بوست خدها وأنا بتحرك): حاضر، ادعيلي انتي بس الدنيا تتحل.


نزلت بسرعة، لقيته واقف قدام سلم العمارة ماسك الورد ومستنيّني وهو بيضحك. خففت خطوتي شوية في آخر السلالم، وحاولت أوقف ضحكتي عشان ما يقولش إني خفيفة.


محمد: الله! مش كان فيه ضحكة من الوِدن للوِدن دلوقتي؟


جود (جاوبته بملامح متصنّعة البرود): الضحك ده للناس اللي بيحبوا بعض، مش لينا.


محمد: ليه مش لينا؟ هو إحنا مش من الناس دي؟


جود: والله بقى اسأل نفسك، أنا معرفش.


محمد (بَصّ لي وضحك): طب تعالي نعرف سوا.


بعدها مسك إيدي وشدّني برا العمارة عشان نبقى تحت المطر، سلّمني بوكيه الورد وبَصّ في عيني شوية.


محمد: كنتِ بتسأليني بقى بحبّك ولا لا، صح؟


جود: لا، خلاص مبقاش فارق لي. أنا أصلاً كنت بفكر أفسخ خطوبتنا.


ملامحه اتقلّبت 180 درجة، اتحوّلت لجدية تامّة لما سمع اللي قلته.


محمد: جود، أنا مبحبّش الهزار في الحاجات دي.


جود: ومين قال إني بهزر؟ أنا سبق وعرّفتك إني حاسّة إني في حياتك غصب، وسبق ولفتّ انتباهك لاختلاف تعاملك معايا ومع أي حد تاني... عملت إيه؟


بَصّ للأرض وسكت. حسيت بالانزعاج أكتر... ده حتى لما عرف إني هسيبه، برضو مش هيعمل حاجة.


جود: الظاهر مافيش فايدة يا محمد، ابقى اطلع حلّ الموضوع مع بابا.


لسه كنت هتحرك، راح ماسك إيدي ووقفني.


محمد: مبعرفش أتكلم معاكي لأني بحب أسمعك. كل ما أنا هسكت أكتر، هسمعك إنتِ أكتر. وجودك بيحسسني بطمأنينة بتخليني قادر أكون هادي.

الصخب اللي بكون فيه مع أي حد، حتى لو بهزار وضحك، بحس دايمًا إني مضطر عليه.

مضطر أضحك، أتكلم بصوت عالي، وأتحمس طول ما اللي قدامي كده، عشان ما أكونش شخص قليل الذوق في نظرهم أو أسبب لهم إحراج.

مضطر أكون على غير اللي برتاحله مع الكل... بس معاكي إنتِ لا.

معاكي ببقى ساكت ومرتاح، بسمعك وأنا مطمن.

يمكن غلطتي إني موضحتش ده من بدري، بس صدقيني... حاولت.

حاولت أعرفك قد إيه أنا بحبك، قد إيه محتاجلك، قد إيه بطمن بوجودك، قد إيه الصخب والقلق والإزعاج اللي في حياتي وجوا دماغي بيسكتوا لما بسمعك، قد إيه صوتك بيخلي قلبي ينبض.

مش بس صوتك...

صوتك، ضحكتك، نظرتك...

صدقيني، إنتِ بالنسبالي مش حد أقدر أتخلى عنه.

چود، أنا بحبك.


وهنا أنا فعلاً سمعت في وداني: "أخيرًا جالها، جال أحبك، جالها!" وفعلاً... قلبي نبضه اتوقف بعدها للحظة.


الفراشة اللي كانت بترفرف في قلبي من رسالة "وحشتيني"، دلوقتي بقيت حساها فراشات!

مش قادرة أوصف فرحتي بكلامه، معاه حق يرتاح بس في أجواء المطر... فعلاً صوتها قادر يسكت الدوشة اللي في دماغك.

بس صوتي؟ أنا مش لاقية كلام أقوله من فرحتي، حاسة لساني لزق في بوقي، مش راضي يتحرك.


محمد: جود!


جود (جاوبت وأنا ملامحي لسه واقفة من الصدمة): ها...؟


محمد: متقوليش إنك مكنتيش سمعاني.


جود: لا، كنت سمعاك بس... بس مش لاقية رد. أنا بحبك!


محمد (ضحك على طريقتي وأنا بقولها بملامح غريبة): بتحبيني؟ يعني مش هتسيبيني؟


جود: لا، ده كان زعل... مش قراري.


محمد: هممم... يعني مش هتسيبيني؟


جود: لا.


محمد: حتى لو عرفتي إني...


جود (حسيت بتوتر من كلامه): بلاش الجملة دي، بييجي وراها قلق... إنك إيه؟


محمد: إني اتكلمت مع باباكي وخلّينا الفرح بعد شهر واحد مش تلاتة؟

جود: أكيد مش هسيبك عشان كده! دي حاجة تفرحني، لو قلتلي نخليه النهاردة هفرح!


محمد: إيه ده بجد؟ طب تعالي نطلع نتفق معاهم.


حاول يطلع ويسحبني بإيده، بس وقّفته وأنا بضحك.


جود: محمد، بطل هزار بقى!


محمد: الله! هو نهزر مش عاجب، منْهزرش مش عاجب... حبيبتي مش عاجبها حاجة بقى!


وشي احمر لما قال "حبيبتي"، وحاولت ألف وشي بعيد، بس هو كان بيحرك وشه معايا ويبصلي.


محمد: أخيرًا شُفت خدودك حمرا.


جود: وانت كنت هتشوفها فين؟ لما حد غريب يحب فيا؟


محمد (رد بسرعة): هو فيه غيري بيحب فيكي؟


جود: على أساس إن إنت نفسك كنت بتحب فيا! يلا يا محمد، امشي.


محمد: طب... مش هتشربيني قهوة عندكم؟


جود (رديت وأنا بزُقه عشان يمشي): لأ، مش النهاردة. روح غيّر هدومك عشان ما تاخدش برد... الفرح بعد شهر!


محمد: حاضر.


إداني ابتسامة... رشقت في قلبي سهم كيوبيد، ومشي.

حسيت إني لسه بعرفه النهاردة، كأنها أول مرة.

النهاردة... تحت المطر، بدأ حبي من جديد.

على قد ما بحب المطر... حبيته أكتر.

فضلت باصة عليه وهو ماشي، لحد ما اختفى من قدامي.


قلت في عقلي:

"تحت المطر... بحبك قد المطر."



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الهَاجٍس.

  لم   أكن   أتوقع   أن   يوم   زفافي   سيتحول   إلى   ذكرى   مؤلمة   محفورة   في   ذاكرتي ... كانت شقتي الفاخرة في برج شاهق بحي الزمالك، تط...